فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}
البلاءُ إذا هَجَمَ هَجَمَ مَرَّةً، وإذا زال بالتدريج؛ حلَّ البَلاءُ بيعقوب مرةً واحدةً حيث قالوا: {فَأَكَلَهُ الذَئْبُ} ولما زال البلاءُ.. فأولًا وَجَدَ ريحَ يوسفَ عليه السلام، ثم قميص يوسف، ثم يوم الوصول بين يدي يوسف، ثم رؤية يوسف.
ويقال لمَّا كان سببُ البلاءِ والعمى قميصَ يوسف أراد اللَّهُ أن يكونَ به سَبَبُ الخلاص من البلاء.
ويقال علم أن يعقوب عليه السلام- لِمَا يلحقه من فَرْطِ السرور- لا يطيقه عند أخذ القميص فقال: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجِهِ أَبِى}.
ويقال القميص لا يصلح إلا للباس إلا قميص الأحباب فإنه لا يصلح إلا لوجدان ريح الأحباب.
ويقال كان العمى في العين فأمر بإلقاء القميص على الوجه ليجدَ الشفاءَ من العمى.
ويقال لمَّا كان البكاء بالعين التي في الوجه كان الشفاء في الإلقاء على العين. التي في الوجه، وفي معناه أنشدوا:
وما بات مطويًا على أريحية ** عُقَيب النَّوى إلا فتىً ظلَّ مغرما

وقوله: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}: لما عَلِمَ حزنَ جميعَ الأهلِ عليه أراد أن يشترك في الفرح جميعُ من أصابهم الحزن.
ويقال عَلِمَ يوسفُ أن يعقوبَ لن يطيق على القيام بكفاية أمور يوسف فاستحضَرَه، إبقاءً على حالِه لا إخلالًا لِقَدْرِه وما وَجَبَ عليه من إجلاله.
قوله جلّ ذكره: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.
ما دام البلاءُ مُقْبِلًا كان أمرُ يوسفَ وحديثُه- على يعقوب- مُشْكِلًا، فلما زالت المحنة بعثرت بكل وجهٍ حاله.
ويقال لم يكن يوسف بعيدًا عن يعقوب حين ألقوه في الجُبِّ ولكن اشتبه عنيه وخَبَرُه وحالُه، فلما زال البلاءُ وَجَدَ ريحَه وبينهما مسافة ثمانين فرسخًا- من مصر إلى إلى كنعان.
ويقال إنما انفرد يعقوبُ عليه السلام بوجدان ريح يوسف لانفرادِه بالأسف عند فقدان يوسف. وإنما يجد ريح يوسف مَنْ وَجَدَ على فراق يوسف؛ فلا يعرف ريحَ الأحباب إلا الأحبابُ، وأَمَّا على الأجانب فهذا حديثٌ مُشْكِل.. إذ أنَّى يكون للإنسان ريح!؟.
ويقال لفظ الريح هاهنا توسع، فيقال هبَّتْ رياحُ فلانٍ، ويقال إني لأَجِدُ ريح الفتنة.. وغير ذلك.
قوله جلّ ذكره: {لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ}.
تَفَرَّسَ فيهم أنهم يبسطون لسان الملامة فلم ينجع فيهم قولُه، فزادوا في الملامة.
{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)}
قرنوا كلامهم بالشتم، ولم يحتشموا أباهم، ولم يُراعوا حقَّه في المخاطبة، فوصفوه بالضلال في المحبة.
ويقال إن يعقوب عليه السلام قد تعرَّف من الريح نسيمَ يوسف عليه السلام، وخبر يوسف كثير حتى جاء الإذن للرياح، وهذه سُنَّةُ الأحباب: مساءلة الديار ومخاطبة الأطلال وفي معناه أنشدوا:
وإنِّي لأستهدي الرياح نسيمكم ** إذا هي أقبَلْت نحوكم بهُبُوب

واسألها حَمْلَ السلام إليكمُ ** فإن هي يومًا بلَغَتْ فأَجِيبُوا

{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)}
لو أُلقِيَ قميص يوسف على وجه مَنْ في الأرض مِنَ العميان لم يرتد بصرهم، وإنما رجع بصرُ يعقوب بقميص يوسف على الخصوص؛ فإنَّ بَصَرَ يعقوبَ ذهب لفراق يوسف، ولمّا جاءوا بقميصه أَنْطَقَ لسانَه، وأَوْضحَ برهانهَ، فقال لهم: {أَلَمْ أَقُل لَكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْمَلُونَ} عن حياة يوسف، وفي معناه أنشدوا:
وَجْهُك المأمولُ حُجَّتُنا ** يومَ يأتي النَّاسُ بالحجج

{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)}
كلُّ إنسانٍ وهمُّه؛ وَقَعَ يعقوبُ ويوسفُ عليهما السلام في السرور والاستبشار، وأَخَذَ إخوةُ يوسف في الاعتذار وطَلَبَ الاستغفار.
ويقال إخوة يوسف- وإنْ سَلَفَتْ منهم الجفوة- كلَّموا أباهم بلسان الانبساط لتقديم شفقةِ الأبوةِ على ما سَبَقَ منهم من الخطيئة.
ويقال يومٌ بيومٍ، اليوم الذي كان يعقوب محزونًا بغيبة يوسف فلا جَرَمَ اليوم كان يعقوب مسرورًا بقميص يوسف، وكان الأخوة في الخَجلة مما عملوا بيوسف.
{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
وَعدَهُم الاستغفارَ لأنه لم يَفْرَغْ من استبشاره إلى الاستغفار.
ويقال لم يُجِبْهُم على الوهلة ليدلَّهم على ما قَدَّمُوا من سوء الفَعْلةِ، لأن يوسفَ كان غائبًا وقتئذٍ، فوعدهم الاستغفار في المستأنف- إذا رضِي عنهم يوسف حيث كان الحقُّ أكثرُه له، لو كان كله ليعقوب لوهبهم على الفور. اهـ.

.تفسير الآيات (99- 100):

قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وقع ما ذكر، وكان قد أرسل معهم من الدواب والمال والآلات ما يتجهزون به، أقبلوا على التجهيز كما أمرهم يوسف عليه الصلاة والسلام، ثم قدموا مصر وهم اثنان وسبعون نفسًا من الذكور والإناث، وكأنهم أسرعوا في ذلك فلذلك قال: {فلما} بالفاء: {دخلوا على يوسف} في المكان الذي تلقاهم إليه في وجوه أهل مصر وضرب به مضاربه: {آوى إليه أبويه} إكرامًا لهما بما يتميزان به، قيل: هو المعانقة، والظاهر أنها أمه حقيقة، وبه قال الحسن وابن إسحاق- كما نقله الرماني وأبو حيان، وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنها خالته، وغلب الأب في هذه التثنية لذكورته كما غلب ما هو مفرد في أصله على المضاف في العمرين: {وقال} مكرمًا للكل: {ادخلوا مصر} أي البلد المعروف، وأتى بالشرط للأمن لا للدخول، فقال: {إن شاء الله} أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله: {آمنين} من جميع ما ينوب حتى مما فرطتموه في حقي وحق أخي.
ولما ذكر الأمن الذي هو ملاك العافية التي بها لذة العيش، أتبعه الرفعة التي بها كمال النعيم، فقال: {ورفع أبويه} أي بعدما استقرت بهم الدار بدخول مصر مستويين: {على العرش} أي السرير الرفيع؛ قال الرماني: أصله الرفع.
{وخروا} أي انحطوا: {له سجدًا} الأبوان والإخوة تحقيقًا لرؤياه ممن هو غالب على كل أمر، والسجود- وأصله: الخضوع والتذلل- كان مباحًا في تلك الأزمنة: {وقال} أي يوسف عليه الصلاة والسلام: {ياأبت} ملذذًا له بالخطاب بالأبوة: {هذا} أي الذي وقع من السجود. التي رأيتها، ودل على قصر الزمن الذي رآها فيه بالجار فقال: {من قبل} ثم استأنف قوله: {قد جعلها ربي} أي الذي رباني بما أوصلني إليها: {حقًا} أي بمطابقة الواقع لتأويلها، وتأويل ما أخبرتني به أنت تحقق أيضًا من اجتبائي وتعليمي وإتمام النعمة عليّ؛ والتأويل: تفسير بما يؤول إليه معنى الكلام؛ وعن سلمان- رضى الله عنهم- أن ما بين تأويلها ورؤياها أربعون سنة.
{وقد أحسن} أي أوقع إحسانه: {بي} تصديقًا لما بشرتني به من إتمام النعمة، وتعدية: {أحسن} بالباء أدل على القرب من المحسن من التعدية بإلى وعبر بقوله: {إذا أخرجني من السجن} معرضًا عن لفظ: {الجب} حذرًا من إيحاش إخوته مع أن اللفظ يحتمله احتمالًا خفيًا: {وجاء بكم} وقيل: إنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش، يتنقلون في المياه والمناجع، فلذلك قال: {من البدو} من أطراف بادية فلسطين، وذلك من أكبر النعم كما ورد في الحديث: «من يرد الله به خيرًا ينقله من البادية إلى الحاضرة» والبدو: بسيط من الأرض يرى فيه الشخص من بعيد، وأصله من الظهور، وأنس إخوته أيضًا بقوله مثبتًا الجار لأن مجيئهم في بعض أزمان البعد: {من بعد أن نزغ} عبر بالماضي ليفهم أنه انقضى: {الشيطان} أي أفسد البعيد المحترق بوسوسته التي هي كالنخس: {بيني وبين إخوتي} حيث قسم النزع بينه وبينهم ولم يفضل أحدًا من الفريقين فيه، ولم يثبت الجار إشارة إلى عموم الإفساد للبينين، كل ذلك إشارة إلى تحقق ما بشر به يعقوب عليه الصلاة والسلام من إتمام النعمة وكمال العلم والحكمة؛ ثم علل الإحسان إليهم أجمعين بقوله: {إن ربي} أي المحسن إليّ على وجوه فيها خفاء: {لطيف}- أي يعلم دقائق المصالح وغوامضها، ثم يسلك- في إيصالها إلى المستصلح- سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك فهو اللطيف- قاله الرازي في اللوامع.
وهو سبحانه فاعل اللطف في تدبيره ورحمته: {لما يشاء} لا يعسرعليه أمر؛ ثم علل هذه العلة بقوله: {إنه هو} أي وحده: {العليم} أي البليغ العلم للدقائق والجلائل: {الحكيم} أي البليغ الإتقان لما يصنعه طبق ما ختم به يعقوب عليه الصلاة والسلام بشراه في أول السورة، أي هو منفرد بالاتصاف بذلك لا يدانيه أحد في علم ليتعرض إلى أبطال ما يقيمه من الأسباب، ولا في حكمة ليتوقع الخلل في شيء منها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}
اعلم أنه روي أن يوسف عليه السلام وجه إلى أبيه جهازًا ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه وخرج يوسف عليه السلام والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم تلقوا يعقوب عليه السلام وهو يمشي يتوكأ على يهودا فنظر إلى الخيل والناس فقال يا يهودا هذا فرعون مصر.
قال: لا هذا ولدك يوسف فذهب يوسف يبدأ بالسلام فمنع من ذلك فقال يعقوب عليه السلام: السلام عليك وقيل إن يعقوب وولده دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى والمقاتلون منهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلًا سوى الصبيان والشيوخ.
أما قوله: {إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ} ففيه بحثان:
البحث الأول:
في المراد بقوله أبويه قولان: الأول: المراد أبوه وأمه، وعلى هذا القول فقيل إن أمه كانت باقية حية إلى ذلك الوقت، وقيل إنها كانت قد ماتت، إلا أن الله تعالى أحياها وأنشرها من قبرها حتى سجدت له تحقيقًا لرؤية يوسف عليه السلام.
والقول الثاني: أن المراد أبوه وخالته، لأن أمه ماتت في النفاس بأخيه بنيامين، وقيل: بنيامين بالعبرانية ابن الوجع، ولما ماتت أمه تزوج أبوه بخالته فسماها الله تعالى بأحد الأبوين، لأن الرابة تدعى، إما لقيامها مقام الأم أو لأن الخالة أم كما أن العم أب، ومنه قوله تعالى: {وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: 133].
البحث الثاني:
آوى إليه أبويه ضمهما إليهما واعتنقهما.
فإن قيل: ما معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر؟
قلنا: كأنه حين استقبلهم نزل بهم في بيت هناك أو خيمة فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وقال لهم: {ادخلوا مِصْرَ}.
أما قوله: {دَخَلُواْ على يُوسُفَ ءاوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} ففيه أبحاث:
البحث الأول:
قال السدي إنه قال: هذا القول قبل دخولهم مصر؛ لأنه كان قد استقبلهم وهذا هو الذي قررناه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بقوله: {ادخلوا مِصْرَ} أي أقيموا بها آمنين، سمى الإقامة دخولًا لاقتران أحدهما بالآخر.
البحث الثاني:
الاستثناء وهو قول: {إِن شَاء الله} فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى الأمن لا إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله، ونظيره قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاء الله ءامِنِينَ} [الفتح: 27] وقيل إنه عائد إلى الدخول على القول الذي ذكرناه إنه قال لهم هذا الكلام قبل أن دخلوا مصر.
البحث الثالث:
معنى قوله: {ءامِنِينَ} يعني على أنفسكم وأموالكم وأهليكم لا تخافون أحدًا، وكانوا فيما سلف يخافون ملوك مصر وقيل آمنين من القحط والشدة والفاقة، وقيل آمنين من أن يضرهم يوسف بالجرم السالف.